قال ابن القيم: ( وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يُترك وسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يُرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق،
وهل بَليّة الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين! وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه، أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه.
وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره أثرا: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا،
فقال: يارب كيف وفيهم فلان العابد!
فقال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في يوما قط) (إعلام الموقعين 2\157).
لقد بذلت الحماعة بتوفيق من الله وتسديد جهدا خارقا فى وقف آثار صدمة التدهور، وردّ آثار موجة التغريب التى كادت تسيطر على الفكر والسلوك، وتكرّس عقدة النقص، وتشيع روح الإنهزامية .
وعملت بذكاء ومهارة على وقف ذلك الطوفان الغالب، وقدّر الله لها النجاح، فأخرجت الإسلام من الزوايا الثلاث التى أريد له أن يكون سجيناً فيها: أعنى طقوس دفن الموتى، وصيغة عقد الزواج، وركيعات المسجد.
نعم، أخرجت الإسلام من هذه الزوايا إلى دنيا الناس وحياتهم اليومية، وانتهت به إلى أن صار منهج حياة كما أراده رب العالمين؛ فصار الإسلام حاضرا فى كل مناحى الحياة: اللباس والزّى، والمطعم والمشرب، والعلاقات الإجتماعية والحفلات، والمعاملات والمبادلات، وصارت المناداة والمطالبة بإتخاذ القرآن دستوراً يحكم الإقتصاد، والتعليم، والسياسة والعلاقات الدولية، وكلِّ شأن من الشئون، وعاد للأمة وعيها وشموخها، فصار نداؤها “الإسلام صالح لكل زمان ومكان”.
ثم تطور النجاح فصار النداء:”لايصلحُ كلُّ زمان ومكان الإ بالإسلام”.
ولم يأت ذلك عفواً صفوأ،بل كان ثمرة جهاد دائب، وعملٍ خالص، لنحو تسعين عاما من الزمان.
وأذا شئت أن تعرف قيمة ها الجهد، فاعلم أننا أدركنا فى أول الأربعينات من القرن الماضى من كان ينادى” أنا الشرق عندى ديانات وفلسفات، من يبيعنى دبابات وطائرات”.