مقال يستحق القراءة والتأمل..(لطمية الشاهبندر الأخيرة إلى السيستاني
كتب الأستاذ (مفكر حزب الدعوة) غالب الشاهبندر “لطمية” موجهة إلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني، حيث ذكر في مقاله الأخير بجريدة المدى “سيدي السيستاني أنقذ شيعة العالم من النهاية المفجعة” بأن شيعة العالم اليوم يعانون من حصار عالمي؟ حصار جغرافي واجتماعي وسياسي، وقد أعلن باراك أوباما في خطابه الأخير أن الشيعة ليسوا أهل حكم وإدارة وفن وعلم، فهل هو القوس الأخير في حلقة الحصار العالمي للشيعة في العالم؟ كل العالم، في إيران وسوريا والعراق ولبنان والسعودية والإمارات واليمن والقارة الهندية؟
يدعو الشاهبندر إلى إنقاذ الشيعة من العزلة بعد الجرائم التي ارتكبوها في سوريا والعراق. يبدو المستقبل غير مشرق كما يقول، الكراهية والعزلة تحيطان بهم وتجعلانهم متورطين بإيران. الخليج يعمل ليل نهار في المنطقة العربية والإسلامية وفي واشنطن ولندن. وهناك وفد سعودي (غير رسمي) رفيع مع تجار كبار وخبراء برئاسة الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي زار إسرائيل مؤخرا والتقى بمسؤولين كبار هناك.

شيعة العراق يرون أنهم بين فكي كماشة، وغالب الشاهبندر يطالب السيستاني بالابتعاد عن إيران، وتخفيف الأحقاد والانسحاب من سوريا. المصير أسود كما كتب، حتى الأكراد صار عندهم حقد على الطائفية السياسية الشيعية. مسعود البارزاني قريب جدا من السعودية وأميركا وأنقرة، وبعض مساجد كردستان صارت تدعو على الحشد الشيعي، بينما تستقبل كردستان القادة والمواطنين السنة العرب. ما يجري في كردستان ليس مشكلة ضد العرب، لأن السنة النازحين والمقيمين عرب أيضا. هناك تصاعد لردة فعل غير طبيعية ضد الطائفية وولاية الفقيه، والشاهبندر يدعو إلى تدخل من السيستاني لوقف الانهيار الأخير.
الشيء الأكبر الذي ضيّعه الشيعة حين استلموا الحكم في العراق ليس الثروة والوحدة الوطنية فقط، بل ضيعوا ريادتهم الثقافية والفنية في البلاد. لقد كشفوا عن عقل غنوصي مخيف، لا توجد عندهم مساهمات اليوم في العقل والفكر والأدب كالسابق، ويبدو أنهم مدينون للحكم السني في مساهماتهم الباهرة في الماضي.
لقد أعاد الشيعة الاعتبار للمفكر محمد عابد الجابري الذي وصف الخرافات الشيعية بالغنوص والوعي المستقيل والوعي الشقي والوعي العذابي. بكل أسف اعتبرنا ذلك طائفية منه حينها، لكنهم باستلامهم السلطة في العراق كشفوا عن انحطاط ثقافي مفزع.
بغياب الأب السني الحاكم تحولوا إلى غنوص وعبادة أشخـاص وشعر شعبي. بددوا 700 مليار دولار من المال العراقي خلال عشر سنوات، بين سرقة وفساد ومشاريع وهمية، وليست عندهم فضائية عربية بمستوى قناة العربية، وليست عندهم صحيفة بمستوى الشرق الأوسط، فماذا يشتمون السعودية؟ وكتابهم الكبار مازالوا يعملون لديها، بينما مليـاراتهم سرقها قادتهم الروحيون والسياسيون. أوضح دليل على فكرة الغنوص الشيعي هو الكويت. كانت الكويت أثينا الخليج، وازدهرت فيها الفنون والدراما والمسرح والفكر والموسيقى والعمران، حتى أن المنطقة المجاورة قد وقعت لفترة طويلة من الزمن تحت الإشعاع الكويتي، ولكن منذ حماقة صدام حسين باحتلال الكويت رزحت الدولة تحت الاستقطاب الشيعي والإيراني كردة فعل على الغزو.
تسلل الشيعة إلى المراكز الثقافية في الكويت وفرضوا هيمنتهم عليها، النتيجة أن الدولة تراجعت كثيرا وانطفأ بريقها القديم، وزحف المشعل الثقافي الخليجي نحو مناطق أخرى كعُمان والإمارات وقطر. إن الهوية القومية للعرب لا تتعايش مع الغنوص، وهي تصيب العقل والروح بنوع من التراجع والتفكك.
الكويت بدأت مؤخرا تنتبه إلى أنها وقعت في فخ صفوي، وكشفت خلية العبدلي والقبض على عملاء حزب الله أن النهضة لا يمكن أن تتحقق بالعقل الشيعي المستقيل والتبعية لإيران، وأنه لا توجد أرضية للثقة والعهد رغم كل ما قدمته الكويت منذ استقبال السيد محمد باقر الحكيم، ودعم المعارضة العراقية، وفتح صحفها لها. وهذا المصير الحتمي سيحدث في العراق لا محالة. فالشيعة العرب بدأوا يتساءلون لماذا يجرُّون عربة ولاية الفقيه؟ وما هو المحتوى النهائي لهذه الثقافة الشيعية سوى التبعية والانهيار والكراهية وموت العقل والضمير، تحت الهيمنة الإيرانية؟
لو تساءلنا بحياد ما الذي يميز مدينة الناصرية عن غيرها؟ لماذا الناصرية لفترة طويلة من الزمن مميزة؟ لمع منها خيرة المبدعين والمثقفين والفنانين. السبب هو الإدارة العربية الناجحة لعائلة السعدون السنية التي قادت مدينة شيعية بنجاح. لم تسمع بانتشار الخرافات والغنوص لفترة طويلة من الزمن، وبقيت المدينة جسرا للثقافات والتنوير وفخرا للعراق، وفيها تأسس الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي. فماذا ستنتج الناصرية اليوم بعد طرد بيت السعدون ومصادرة أملاك أفرادها بتحريض من إيران؟ بتهجير العائلة التي أسست المدينة؟ ماذا ستنتج المدينة والخرافات تخنقها والغنوص يجثم على الصدور؟

