قراءة في زلزال الشرق الأوسط

 

قراءة في زلزال الشرق الأوسط
د. أحمد محمد كنعان
يقف اليوم المحللون السياسيون حيارى أمام الزلزال المدمر الذي أصاب سوريا والعراق ، بل منطقة الشرق الأوسط برمّتها، حتى بات الجميع يتساءلون : كيف حدثهذ؟! وإلى أين يمضي هذا الزلزال وتوابعه بالمنطقة ؟ 
وسوف نحاول في هذه الوقفة الإجابة على هذين السؤالين الكبيرين بشيء من التفصيل مستهدين في الإجابة بقوله تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) سورة العنكبوت ٢٠، فهذه الآية الكريمة في ظاهرها تدعو إلى النظر في ظاهرة الخلق ، لكني أرى فيها منهجاً عاماً لدراسة أية ظاهرة من ظواهر هذا الوجود، منهجاً يتلخص بالعودة إلى البدايات التي بمعرفتها نستطيع كشف العوامل التي شكلت الظاهرة، ونستطيع فهم مسار الظاهرة وإلى أين تمضي !
واعتماداً على هذا المنهج سوف نحاول فهم العوامل التي تقف وراء الزلزال الذي يجتاح اليوم منطقتنا العربية، وبخاصة منها أسباب ظهور إيران بقوة في المشهد وتحولها دون مقدمات واضحة إلى دولة استعمارية بغطاء ديني طائفي سافر، يعمل على تدمير كل شيء، غير عابئة بدين ولا أخلاق ولا قانون !!!
ومن خلال رصدنا للأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العقود القليلة الماضية يمكن أن نفسر مسار هذا الزلزال في رأيين اثنين سوف نعرضهما هنا بشيء من التفصيل :
الرأي الأول : ينطلق من فكر “نظرية المؤامرة” وهو رأي يرى أن ظهور إيران في المشهد كان مؤامرة دبّرت بليل من قبل المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة بالتنسيق مع الزعيم الإيراني “آية الله الخميني” فقد أدرك الغرب أن الكيان الصهيوني في فلسطين قد انتهى تاريخ صلاحيته ولا بد من تحديث الخطة التي أقيم هذا الكيان من أجلها، ألا وهي الإبقاء على ضعف الأمة العربية وتخلفها وعجزها عن النهوض ، ومن ثم بدأ الغرب يبحث عن عدو بديل يقوم بما لم يستطع الصهاينة القيام به فوجدوا هذا الهدف في برنامج الخميني المبني على حقد فارسي تاريخي ضد العرب، فراحوا يخططون لانتصار ثورة الخميني وتسليمه السلطة في إيران، إيران الفارسية التي تربت على الحقد ورغبة الانتقام من العرب الذين قضوا على مملكة فارس !!
وهكذا اتفق المتآمرون ووضعوا الخطة، التي بدأت بإزاحة “ شاه إيران” عن السلطة وطرده من البلاد بأوامر من الولايات المتحدة، وتمكين الخميني من حكم البلاد، ثم تابعت الولايات المتحدة تلك المؤامرة بحربها على العراق وتسليمها إلى إيران لقمة سائغة، ومازالت الولايات المتحدة مستمرة في الخطة بسكوتها عن جرائم الميليشيات الإيرانية التي تعيث فساداً وإجراماً في المنطقة !!
ولعل أكبر شاهد يؤيد هذا الرأي في تمكين الولايات المتحدة  لإيران بالمنطقة مقولة كان قد أطلقها عراب السياسة الأمريكية “هنري كيسنجر” في أعقاب الإعلان عننجاح ثورة الخميني فقد صرح كيسنجر في حينه قائلاً : ( لقد بدأت اليوم حرب المائة عام بين السنة والشيعة ) يعني بين العرب والفرس، وهو تصريح يفضح بكل وقاحة تلك المؤامرة والنية المبطنة من ورائها!! وهو تصريح للأسف الشديد لم يعط ما يستحقه من الاهتمام من قبلنا نحن العرب ، ما جعلنا اليوم نتخبط في دوامة هذاالزلزال وتوابعه باحثين عن مخرج .. ولكن هيهات !!!
الرأي الثاني : الذي يحاول فهم العوامل التي مكنت إيران مما هي عليه اليوم من القوة والسيطرة وحرية الحركة في المنطقة، فهو رأي يذهب إلى أن التحضير لظهور إيران في المشهد يعود إلى سبعينيات القرن المنصرم، حيث ارتفعت أصوات الإسلاميين هنا وهناك تبشر باقتراب “صحوة إسلامية” سوف تعيد للعرب والمسلمين مجد الخلافة الإسلامية، وقد نظم الإسلاميون في حينه عشرات المؤتمرات والندوات والمحاضرات التي راحت تبشر بهذه الصحوة، واجتهد إسلاميون آخرون في التبشيربانتشار الإسلام في العالم ، بل إن عدداً من الباحثين الإسلاميين راحوا يروجون باقتراب “فتح رومية” وتحويل أوروبا إلى الإسلام !!
وكما هو متوقع فإن هذه التكهنات الإسلامية نبهت أصحاب الرأي وأهل القرار ومراكز البحث في “الغرب” لرصد هذه الظاهرة التي رأوا فيها تهديداً وشيكاً لحضارتهم ،وعندما أعلن في إيران عن نجاح “ثورة الخميني” ، تلك الثورة التي صبغت نفسها بالصبغة “الإسلامية” أدرك أصحاب القرار في الغرب أن الصحوة الإسلامية قد بدأتتنتقل من التنظير إلى التنفيذ، خاصة وأن الباحثين الغربيين كانوا بعلمون أن ثورة الخميني قد تتلمذت على أدبيات ” سيد قطب” وأمثاله من رموز الصحوة الإسلامية، ولهذا سارع الغرب إلى إشعال حرب طاحنة بين إيران والعراق في محاولة لاحتواء الموقف بإجهاض ثورة الخميني وإجهاض الصحوة في وقت واحد، لولا أن باحثيناستراتيجيين في الغرب راحوا يحذرون من خطورة إجهاض ثورة الخميني التي تمثل – في تقديرهم – العدو الحقيقي للصحوة الإسلامية لأنها ثورة تقوم على حقد فارسي تاريخي ورغبة عارمة للانتقام من العرب الذين أسقطوا ملك فارس، وقد أثبت هؤلاء الباحثون أن ثورة الخميني لا تمتّ إلى صحوة سيد قطب وأمثاله بأية صلة، وأنثورة الخميني هي الأمل الوحيد لاستئصال “الصحوة” التي تهدد  بالقضاء على حضارة الغرب!!
وأمام هذه الحقائق وجد أصحاب القرار في الغرب وجوب تغيير بوصلة الصراع، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لحماية ثورة الخميني ومساعدتها لمواصلة هدفها في إجهاض”الصحوة” !! فبعد أن كانت الولايات المتحدة  تدعم العراق في الحرب ضد إيران تحولت إلى دعم إيران ضد العراق، كما ظهر في الفضيحة التي عرفت باسم “قضيةإيران كونترا”( Iran–Contra affair) التي عقدت بموجبها إدارة الرئيس الأمريكي ” رونالد ريغان” اتفاقاً مع إيران لتزويدها بالأسلحة النوعية التي تجعل ميزانالقوة يميل لصالحها!! لكن الوقت كان قد فات وأحرز الجيش العراقي في الحرب انتصارات استراتيجية حاسمة اضطرت الخميني للتوقيع على وقف الحرب وأن يتجرعكأس الهزيمة كالسم !!
ولم تنته الحكاية هنا، وإنما استمرت الولايات المتحدة في تنفيذ الخطة فاستدرجت العراق إلى احتلال الكويت لتجعل من ذلك ذريعة لضرب الجيش العراقي، ثم احتلالالعراق وتسليمه إلى إيران لقمة سائغة، ومن ثم إطلاق يد إيران في المنطقة تفعل ما تشاء بصورة مباشرة أحياناً، وأحياناً عن طريق ميليشياتها التي راحت تقتل وتدمرفي العراق وفي سوريا ولبنان، ومازالت،
وأكملت الولايات المتحدة الخطة المتفق عليها بتوقيع الاتفاق النووي الذي انتهى إلى السكوت عن البرنامج النووي لإيران تمهيداً لجعلها القوة الضاربة في المنطقة،ولتقوم بدور العصا القوية ضد من يجرؤ على القول للغرب : لا !!!
ونختم بالقول : إن هذين الرأيين اللذين عرضناهما يتكاملان ولا يتعارضان فالهدف الأخير لهما هو أن تقوم إيران بما لم يستطع الكيان الصهيوني القيام به، ألا وهوالإبقاء للعرب والمسلمين تحت رحمة الغرب ، وأن لا تقوم للإسلام قائمة بعد ذلك، وفي هذا جهل مطبق بطبيعة الإسلام الذي تكفل الله عز وجل بحفظه، وأن الله عزوجل بالمرصاد لكل من يحاول النيل من هذا الدين كما قال تعالى : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) سورة الأنفال ٣٠ .

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top